كثيرا ما تصادفنا عبارة " بحث علمي" عند ولوجنا لمختلف المواقع وحتى في الثانويات والجامعات أصبح هذا المصطلح هو التسمية المتعارف عليها التي تطلق على التقارير التي يقدمها الطلبة والباحثون حول قضية ما أو موضوع مقرّر في المنهاج الدراسي.
وسنتعرف في هذا المقال على مفهوم هذا اللفظ لغة واصطلاحا ، وما هي أركانه.
تعددت تعريفات البحث العلمي وتنوعت وفق اختلاف وجهات نظر الباحثين والفلاسفة، و نظرا لتعدد مجالاته ومواضيعه وغاياته. ولعلّ أول ما يلفت انتباهنا هو تركيب هذا المصطلح من لفظين "البحث واللغوي ، وإذا أردنا معرفة دلالتهما الحقيقية لا بد من العودة إلى أصلهما اللغوي ثم ربطه بالمفهوم الاصطلاحي.
1)- المفهوم اللغوي:
أ- تعريفه لفظ بحث لغة:
ورد في مادة (ب ح ث ) "معجم الصحاح للجوهري :" بحثت عن الشيء وابتحثت عنه أي فتّشت عنه".
وفي لسان العرب لابن منظور يقول هو: "طلبك الشيء في التراب بحَثه يبحثٌه بحثا وابتحثه. والبحث أن تسأل عن شيء، وتَستخْبر. وبحث عن الخبر يبحثه بحثا: سأل. وكذلك استبحثه، واستبحث عنه. واستبحث وتبحّثت عن الشيء :فتّشت عنه. ثم يقول: البحوث جمع بحث"[1].
جاء في المعجم الوسيط:"
بحث الأرض وفيها بحث بحثا : حفرها وطلب الشيء فيها(...) وبحث الأمر وفيه: اجتهد
فيه وتعرّف على حقيقته. وبحث عنه سأل واستقصى. فهو باحث وبحّاث وبحّاثة. وهذا يقود
إلى القول: إنّ البحث هو
بذل الجهد في موضوع ما. وجمع المسائل التي تتّصل به" [2]
بهذا يكون معنى الفعل بحث هو تحرى وسأل، وطلب ، فتّش ، وسأل، وغيرها من المعاني التي تدلّ على السؤال، والتنقيب عن الحقيقة، وتقصيّها بكدّ، وجهد وتأمّل.
ب- مفهوم لفظ العلمي لغة : هو مشتقّ من الفعل الثلاثي "علم" وجاء في مادة (ع. ل. م )في الصحاح "للجوهري": عَلِمت الشيء أَعلمُه عِلْما: عرفته، وأعلم الفارس : جعل لنفسه علامة الشجعان؛ فهو مُعلِم، وعلّمته الشيء فتعلّم. والمعلّم الأثر يستدلّ به "
وفي لسان العرب:" العلم نقيض الجهل ، عَلِم عِلْمًا وعَلُمَ هو نفسُه، ورجل عالم وعليم من قوم علماء فيهم جميعا. وعلِمْتُ الشيء أعلَمُه عِلما: عرفته. قال ابن بري: وتقول علِم وفقِه أي تَعلَّم وتَفقَّه.وعلُم وفقُه أي ساد العلماءَ والفقهاءَ، وعَلِم بالشيء: شَعَر. وعلم الأمر وتعلّمه: أتقنه. وعلم الرجل: خَبرَه، وعَلِمَه يَعلُمُه ويَعلِمُه عَلْما: وَسَمهُ"[3].
وقيل:" العلم يقال لإدراك الكلي والمركب. والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أو البسيط. ومن هنا يقال: عرفت الله دون علمته. ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة كعلم الكلام وعم النحو وعلم الأرض وغيرها من العلوم"[4]
فالقصد من العلم: التجربة، والشعور، والوسم ،وغيرها من المعاني التي توحي بالدراية والتفقه، والسعي للاكتشاف، وإدراك الحقائق والوقوف عليها. ويتّصل بالمنهج الذي يتّبعه الباحث لحلّ المشاكل أكثر من اتّصاله بطريقة تفكيره .
هناك من يرى أنّ العلم مرادف للمعرفة. ويذهب البعض الآخر إلى اعتبار العلم جزءا من المعرفة لأنه يعتمد على أساليب أكثر صرامة تدعى "المناهج العلمية": وهي تختلف وتتشعب باختلاف العلوم وفقا لطبيعة الموضوع.
3)- البحث العلمي اصطلاحا: تعددت تعريفاته بتعدد الثقافات، والخلفيات الفكرية .
أ- البحث العلمي في المفهوم العربي:
وردت العديد من التعاريف لهذا المصطلح لدى الباحثين العرب. من أبرزها:
يعرفه سامي محمد ملحم: بأنه" عملية منظمة، تهدف إلى لتوصل إلى حلول لمشكلات محددة أو الإجابة عن تساؤلات معينة باستخدام أساليب علمية محدّدة ، يمكن أن تؤدي إلى معرفة علمية جديدة"[5].
عرفه فاخر عاقل بقوله: " البحث النظامي والمضبوط والتّجريبي، عن العلاقات المتبادلة بين الحوادث المختلفة".[6]
وأطلق عليه البعض مصطلح
التجرية التنموية: هو « أسلوب منظم في جمع
المعلومات الموثوقة. وتدوين الملاحظات والتحليل الموضوعي لتلك المعلومات .باتّباع
أساليب ومناهج علمية محددة. بقصد التاكّد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد
لها. ومن ثم التوصل إلى بعض القوانين والنظريات والتنبؤ بحدوث مثل هذه الظواهر
والتحكم في أسبابها.» [7]
البحث العلمي في المفهوم الغربي:
وفي معجم( Webster’s dictionary) : «المعرفة المنسقة التي تنشأ على الملاحظة والتجريب. والتي تقوم
بغرض تحديد طبيعة وأصول وأسس ما تتمّ دراسته»[8]
جاء تعريفه في (قاموس إكسفورد) : ذلك الفرع من الدراسة .الذي يتعلق بجسد مترابط[9]
عرفه( فان دالين) بقوله :« المحاولة الدقيقة الناقدة للتوصل إلى حلول المشكلات التي تؤرق
البشرية وتحيّرها»[10]
ويعرّفه رومل(Rummel): بأنه: "تقص وفحص دقيق
لاكتشاف معلومات أو حقائق وقواعد عامة يمكن التأكد من صحتها"[11]
وذهب ويتني(Whitney)لاعتباره" استقصاء دقيق يهدف
إلى اكتشاف حقائق وقواعد عامة يمكن التأكد من صحتها"[12]
ويقول كاميلات وشوماخر: بأنه عملية منظمة لجمع البيانات والمعلومات وتحليلها لغرض معين[13]
3) - أركانه: وتنقسم إلى ثلاثة عناصر وهي:[14]
أ- الموضوع: محور الدراسة. وهو القضية التي يعالحها البحث.
ب- المنهج: هو المسلك الذي
اتخذه الباحث. وهو عبارة عن مجموعة من الخطوات المنظّمة والصارمة التي تعينه في
البحث العلمي على الوصول إلى الحقيقة بموضوعية تامة. من خلال ترتيب المعلومات بشكل
صحيح وبدقّة كبيرة . ويشغل المنهج العلمي دورا كبيرا
في البحث العلمي والدليل على ذلك ان الدراسات لحديثة ترى أن العلوم تصنف بمناهجها
لا بموضوعها.[15]
جـ- الشّكل: وهو القالب الذي يُعرض فيه البحث العلمي وفق معايير وقواعد تعارف عليها العلماء بداية من العنوان والغلاف الخارجي مرورا بالتوثيق فالنتائج وصولا لوضع الفهارس في الأخير.
خاتمة :
ابعد هذه الدراسة لمفهوم البحث العلمي توصلنا إلى النتائج التالية :
- - تراوحت تعريفات مصطلح البحث العلمي بين البعدين: الإجرائي والمفهومي[16].
- وهو على هذا الأساس يتحدد وفق أمرين أنه:
- -اختلفت تعريفات البحث العلمي واتفقت على كونه محاولة الانسان الجادة والمنظمة لحل مشكلات الحياة اليومية.
- - هو نشاط إنساني هادف ومنظم .
.- -يهدف للكشف عن الحقيقة وحل المشاكل التي تعترض حياة الإنسان سواء كانت مادية أم معنوية بغية تيسيرها.
- - يحاول فهم أسرار الكون بشكل أفضل. والانتقال من المجهول إلى المعلوم من خلال الفحص الدقيق لمعلوماتنا وكذا انتقاء الأدوات والآليات المعينة من بيانات وشواهد.
- - هو يلامس كل ما يحيط بالإنسان في كافة مجالات الحياة؛ سواء كانت اقتصادية ، اجتماعية ، أو خدماتية. لذلك فهناك أنواع عديدة للبحث العلمي تختلف باختلاف التخصصات والمجالات.
- يحاول تقصي الحقائق، وتصحيح ما قد يشوبها من أخطاء أو نقائص من خلال تتبع خطوات المنهج العلمي، واعتماد مختلف تقنياته وأدواته اللازمة لجمع البيانات.و كذا مراجعة مختلف الشواهد بغية الوصول إلى الحقيقة، وحل المشكلات.
- يلمس البحث العلمي ميادين الحياة اليومية، وموضوعاتها؛ لأنه جهد ناتج عن أهم عنصر فيها وهو:" الإنسان " ويهدف لخدمته وتطوير حياته.
[1] - لسان العرب، ج2، مادة (ب .ح .ث)، ص: 114-115
[2] - المعجم الوسيط ، ابراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر،محمد النجار، دار الدعوة،مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط4، 2008م، ج1، ص:40
[3] - ينظر لسان العرب ، ابن منظور ، لسان العرب أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري ،دار صادر ، لبنان، ج12، مادة (ع .ل .م)، ص: 417- 422.
[4] - المعجم الوسيط ،ابراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر،محمد النجار،ج2، ص:..624
[5] - مناهج البحث في التربية وعلم النفس، عمان ،الأردن، دار المسير للنشر والتوزيع، 2001م، ص:.44
[6] - طبيعة البحث التربوي ومكانته في البحث العلمي: المجاة العربية للبحوث التربوية ، تونس/ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم:1982م، ص:19
[7] - مناهج البحث في العلوم الانسانية ن محمود أحمد درويش، مؤسسة الأمة العربية للنشر والتوزيع، مصر، ط1،2018م.ص: 22،
[8] - المرجع نفسه، ص:18
[9] - المرجع نفسه ، ص:18
[10] - الجامعات العربية : تحديات العصروالآفاق المستقبلية، بحوث وأوراق عمل مؤتمر " الجامعات العربية: التحديات ةالآفاق المستقبلية" المنعقد في الرباط، المملكة المغربية، ديسمبر 2007م، ص: 590
J.Francis Rummel.An
introduction to research procedures¸ New
York¸ Harper and Row puplisher¸ 1964¸ p2. [11]
[12] - علم النفس التربوي- الخصائص النمائية والفروق الفردية والبيئة الصفية وانعكاساتها على العملية التعلمية ، أيوب دخل الله، دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان، دط، دت، ص: 28
[13] - منهجية البحث العلمي الجديد ، كمال دشلي، كلية الاقتصاد ، جامعة حماة ، سوريا ، مديرية الكتب والمطبوعات ، 2016م، ص:31
[14] - مناهج البحث في العلوم الانسانية ، محمود أحمد درويش، ص 18
[15] - الادارة الرياضية مناهج البحث العلمي في الادارة الرساضية ،فهد بن سيف الدين غازي ساعاتي، 2014، دط /دت/ ص:14
[16] - ينظر البحث العلمي وأثره في التنمية الشاملة من التأرجح بين التراث والتجديد إلى رصد المصلحة، د/ عبد السلام رياح، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، دط، دت، ص: 23.